وصلوا إلى مدينة الناظور بطرق مختلفة ومن أماكن عديدة من أعماق إفريقيا، يتخذون من الغطاء الغابوي لجبل كُورُوكُو مستقرهم الرئيسي في انتظار الفرصة المواتية للعبور إلى الفردوس الأوروبي عبر مدينة مليلية التي تعتبر معبرا سالكا نحو "الإلدورادو"، إنهم المهاجرون المنحدرون من دول جنوب الصحراء الكبرى.
عددهم يفوق الخمسة آلاف فرد .. يتناقص العدد ويتزايد، يواجهون الجوع والحرّ والبرد والمطر وتدخلات القوات العمومية، يتخذون من خيام بلاستيكية مأوى لهم، ويستجدون المارة بشوارع الناظور وبني أنصار والمناطق المحيطة من أجل توفير مؤونة تسد رمقهم ورمق أبنائهم.
مع حلول شهر رمضان يتكاثر عدد الجنوب صحراويين بشوارع مدينة الناظور والنواحي، حيث يتخذون من الإشارات المرورية موقفا لهم، أغلبهم نساء حاملات لرضع فوق ظهورهم، يستجدون أصحاب السيارات من أجل مدهم بما يكفي لإقتناء ما يحتاجونه في انتظار الفرج الذي قد يأتي مع مطلع فجر جديد.
سليمان كمارا مهاجر قال لهسبريس أنه ينحدر من مالي، وعن تعامل الناس معه ورفاقه في رمضان يقول "المغاربة شعب طيب، في شهر رمضان يتضاعف كرمهم معنا، حيث يغدقون في العطاء ويتعاملون معنا برأفة، فعلا نحس بعطفهم تجاهنا وتجاه أبناءنا، هناك بعض الناس نقصدهم يوميا بمنازلهم حيث يعطون لنا الحريرة والتمر والخبز، وغير ذلك من الطعام".
ويضيف: "المغاربة يعرفون أننا عابرو سبيل، والقرأن أوصى بمساعدتنا، وهم يطبقون ذلك خصوصا خلال هذا الشهر المقدس، حتى أنهم لا يسألون عن ديانتنا، إذ هناك قلة قليلة ممن يسيؤون معاملتنا ويطردوننا وينظرون لنا نظرة دونية، ولأولئك أقول: سامحكم الله".
كارينا شابة مسيحية من الكونغو تتخذ من ملتقى شارعي المسيرة والشباب، بمدينة الناظور، موقفا لها رفقة طفليها البالغين 4 و 8 سنوات، تنتظر السيارات المتوقفة عند إشارة المرور الضوئية لتتقدم نحو السائق وتطلب منه المساعدة، وعن تعاملهم معها تقول لهسبريس: "أصدقك القول، في هذا الشهر يتضاعف كرم وعطف الناس علينا، عطاءهم يزيد، يقدمون لنا بعض النقود والطعام وحتى الألبسة لصغارنا، فعلا المغاربة كرماء".
المهاجرون المتكثلون في مجموعات صغيرة بمستقرهم بجل كوروكو يعمدون إلى توزيع المهام بينهم كل يوم، حيث تتكلف فئة بالنزول إلى المددن من أجل جلب الطعام والماء، وفئة أخرى تتكلف بالطهي والتنظيف، وأخرون يتكلفون بالحراسة وابلاغ المجموعات عن قدوم رجال القوات العمومية المغربية، وذلك ما لا يتغير خلال رمضان.
حتى السلطات العمومية بالمدينة تتغاضى عن مطاردة المهاجرين الغير نظاميين بالمدينة، وعن ذلك يقول مسؤول أمني لهسبريس، وهو الذي فضل عدم الكشف عن هويته، "نحن لا نطارد المهاجرين في الشوارع سواء في رمضان أو غيره من الأيام، فقط نرفض أن يقتحموا السياح الحدودي لمليلية ويتسببوا في مشاكل الجميع في غنى عنها".
ويزيد نفس المسؤول المتكتّم على هويته: "هناك حملات يومية نفعلها بجبل كوركو والمناطق التي تعرف تجمعا للراغبين في اقتحام السياج الحدودي من المهاجرين، وكل من يتم القبض عليه في إطار تلك الحملات يتم ترحيله إلى الرباط أو مناطق أخرى بعيدة، خصوصا بعد الإستراتيجية التي اعتمدها المغرب خلال الأشهر الماضية تجاه المهاجرين المتواجدين فوق ترابه".
وقد فعل المهاجرون خلال العشرة أيام الأولى من رمضان ثلاث محاولات لإقتحام السياج الحدودي الفاصل بين مليلية المحتلة ومناطق تابعة للنفوذ الترابي لبلدية بني أنصار، غير أن تدخلات القوات العمومية المغربية حالت دون تحقيق هدفهم، ليتراجعوا في انتظار فرصة تجعلهم يعانقون الحلم الأوروبي، وفي أفق ذلك يتوزعون على شوارع مدينة الناظور ونواحيها، مستفيدين من رحمة الشهر وكرم المغاربة حسب قولهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق